أثارت السلطة الفلسطينية موجة جدل جديدة، حول سياساتها غير المسؤولة والتي تنم عن فساد إداري ومالي، ووطني بالدرجة الأولى، وكأن ديدن السلطة أن تسير في طريق الأزمات والفضائح المستمرة، سواء عبر فساد التعيينات بالمناصب العليا أو التعينات بالوراثة، أو اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، ومن قبله، التورط بفضيحة صك التمور الإسرائيلية بأختام فلسطينية قبل التصدير، ومرورًا بإلغاء الانتخابات التشريعية، وغيرها الكثير مما لا يمكن إحصاؤه عبر هذه السطور.
وآخر صور الفساد التي أثارت غضب الجمهور الفلسطيني والذي عبر عنها عبر منصات التواصل الاجتماعي رغم ما يمكن أن يتعرضوا لهم من قمع بولسي بسبب قانون "الجرائم الإلكترونية"، هو تعيين سلام الزواوي (40 عاما) ابنة سفير السلطة لدى إيران والقيادي في حركة "فتح"، صلاح الزواوي، في منصب والدها السفير.
بخلاف القانون
"تعيين بالوراثة".. هكذا وصفه النشطاء الفلسطينيون، لابنة رجل مارس العمل الدبلوماسي لـ(42) عاماً في مخالفة واضحة وصريحة للقانون الفلسطيني الذي ينظم عمل وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي حول العالم، والذي تم إصداره عام 2005م.
فالمادة (17) من هذا القانون تنص على مدة العمل الدبلوماسي في الخارج، يكون الحد الأقصى للعمل الدبلوماسي في الدولة الواحدة 4 سنوات، ويجوز بقرار من وزير الخارجية تمديد مدة عمل موظف السلك لسنة واحدة فقط في الدولة ذاتها، أي القانون يسمح بالبقاء في دولة واحدة وخدمة مدة 5 سنوات بعد الاستثناء!
والمادة (18) حددت المدة القصوى للعمل المتواصل في الخارج لموظف السلك الدبلوماسي بأن لا تتجاوز الـ 10 سنوات، وبعد الاستثناءات في دولة واحدة لا تتجاوز 5 وفي دولتين متتاليتين بحيث لا تتجاوز 10 سنوات، بينما مكث السفير "صلاح الزواوي" في العمل الدبلوماسي لـ(42) عاماً، حيث وتولى الزواوي في عام 1968 منصب سفير منظمة التحرير الفلسطينية لدى الجزائر، وفي عام 1975 كان سفيرًا لدى البرازيل، ومن 1977 إلى 1979 كان سفيرًا لدى كينيا، ومنذ عام 1980-2022 سفيرًا لدى إيران.
كما تطرقت المادة (22) لسن التقاعد وأوضحت أنه يجب إحالة موظف السلك للتقاعد عند بلوغه سن الستين 60 عاما، موضحة أنه يجوز تمديد خدمة السفراء استثنائيًا سنة واحدة قابلة للتجديد بموافقة الرئيس بتنسيب من وزير الخارجية بحد أقصى 5 سنوات، في حين إن السفير صلاح الزواوي خرج أمس إلى التقاعد عن عمر يناهز (85) عاماً.
وليس الزواوي وحده من تجاوز المواد سابقة الذكر، فالسفير الفلسطيني في الصين منذ ٣٠ عاما، وسفراء أفغانستان وسويسرا وسيريلانكا والمالديف وأستراليا وتشيلي والدنمارك وبيلاروسيا يزاولون عملهم منذ ١٦عاماً، وفي الأردن و أسبانيا منذ ١٥عاماً، وفي البرازيل منذ ١٣ عاماً، ومنذ ١٢عاما في كل من الهند والعراق وڤيتنام، ومنذ ١٠ أعوام في موريتانيا ومملكة السويد، ومنذ ٩ أعوام في لبنان.
الدار دار أبونا
وبالرغم من موجة الغضب الشعبي التي أثارتها تعيينات دبلوماسية أخرى في الصيف الماضي، تواصل "السلطة" تحديها للشعب الفلسطيني، عبر تعيين أبناء المسؤولين في المناصب العليا كما حصل أمس مع الزواوي والتي أدّت اليمين القانونية، أمام رئيس "السلطة" محمود عباس، في مقر إقامة "عباس" في العاصمة الأردنية عمان، بحضور مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي، ومدير عام الصندوق القومي الفلسطيني الوزير رمزي خوري.
ولقي تعيين سلام الزواوي، رفضا من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبره امتدادًا لما وصفته وزيرة المرأة في حكومة رام الله آمال حمد، عندما بررت في صيف 2020 تعيين ابن شقيقتها مرافقًا لها، بقولها: إنه من "عظام الرقبة".
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تقرير لشبكة قدس الإخبارية نُشر في (24 يونيو 2021) يوثق تعيين 71 شخصاً من أقارب مسؤولين فلسطينيين، في وظائف إدارية ودبلوماسية فاعلة، خلال السنوات العشر الماضية. توزعت على 23 تعيينًا دبلوماسيًا و48 حكوميًا.
وحسب التقرير فإنه في العام 2016، عُين أنس الهباش، نجل قاضي قضاة فلسطين الشرعيين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية في حكومة رام الله محمود الهباش، معاونًا لوكيل النيابة فور تخرجه من الجامعة. أثار ذلك جدلاً، وأدى إلى تعليقات ناقمة.
كما جرى تعيين ابنتيه، شيماء وإسراء، في وظائف عليا، إحداهما مديرة علاقات عامة في ديوان القضاة ثم نقلت إلى هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية عام 2020، والأخرى عُينت في سفارة "السلطة" بأنقرة عام 2017.
وبين التقرير أن (52%) أي (37 شخصاً) من إجمالي ما تم رصده من تعيينات لأقارب مسؤولين، عُينوا في وظائف متقدمة كانوا من درجة قرابة المسؤول الأولى أي ابن، ابنة، زوج، زوجة.
ويشكّل أفراد عائلة كفاح عودة، سفير فلسطين في إسبانيا، نسبة 7 في المئة من إجمالي التعيينات التي وثقها التحقيق، حيث عُينت الزوجة والأخ وزوج الابنة في وظائف دبلوماسية عليا، لتحتل عائلة عودة المرتبة الثانية بعد عائلة الهباش.
بينما عُين نمر دياب اللوح، نجل سفير فلسطين بالقاهرة، في القسم الثقافي بقنصلية السلطة بالإسكندرية. وعُينت لينا أبو زيد، ابنة منتصر أبو زيد سفير كازاخستان الحالي، إدارية في سفارة أوكرانيا، ومنى أبو عمارة، ابنة رئيسة ديوان الرئاسة انتصار أبو عمارة، نائبة لسفير قبرص.
وفي إسبانيا، يتولى الأب كفاح عودة منصب سفير فلسطين هناك، وزوجته هالة فريز سفيرة في السويد، وشقيقه محمد عودة رئيس دائرة أمريكا اللاتينية في مفوضية العلاقات الدولية لحركة "فتح" بدرجة سفير، وزوج ابنته عمار حجازي، مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للعلاقات متعددة الأطراف بدرجة سفير.
وعن هذه التعيينات يقول ربحي حلَوم، سفير فلسطين السابق، إن تعيينات السفراء في السلطة الفلسطينية تقوم على المحاباة وخدمة المصالح، مستشهدًا بواقعة ترقية حصلت معه أسفرت عن ترقية "مرافق أمن" يعمل معه حينما كان سفيرًا لفلسطين في إسطنبول، إلى منصب سفير بقرار من رئيس السلطة محمود عباس، وهو قريب الهباش.
العمل الحُر
يبدو أن السلطة تتمادى في طغيانها على الشعب الفلسطيني الذي يتميز عن بقية الشعوب العربية بكثرة عدد طالبي العلم فيه، وكثر حاملو الدرجات العلمية العليا التي تؤهلهم لمثل هذه المناصب، والتي يتم حرمانهم منها بسبب توريثها بأبناء المسؤولين، بينما يتجه المؤهلون فعلا إلى العمل الحر لتأمين لقمة العيش.