فلسطين أون لاين

بلا مقومات ووسط حياة "كر وفر" يواجه مواطنو "ابزيق" التهجير

...
قرية ابزيق
طوباس–غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

تملكت الحسرة قلب محمد علي نصر الله وهو يرى البيوت الثمانية التي يملكها وأبناؤه، باتت "أثراً بعد عين" بفعل جرافات الاحتلال الإسرائيلي ودون سابق إنذار، للمرة الثانية خلال أسبوعين، في حياةٍ يغلب عليها طابع "الكر والفر" بين المواطنين والاحتلال الإسرائيلي في قرية "ابزيق" المهددة بالتهجير.

وبالعودة إلى نصر الله، الذي تحدث لـ"فلسطين"، وهو يبيت في العراء هو وأسرته، بعد أنْ هدم الاحتلال بيوتهم في القرية في الليلة السابقة، ليصف ما حدث بحقهم بأنه "دمار بكل معنى الكلمة، فقد قلبت جرافات الاحتلال بيوتنا، ولم تكتفِ بذلك بل غطتها بالتراب كي لا نستطيع انتشال أي شيء من ممتلكاتنا".

ويبين أنهم فوجئوا في الثالث من يناير بجرافتيْن للاحتلال تحاصران بيوت القرية "عبارة عن خيام" وتشرعان بهدمها فوراً فوق ملابسهم وأثاثهم، "جرفوا تنكات الماء والطابون والخلايا الشمسية ودمروا المزروعات البرية، وجمعونا في مكان بعيد عن بيوتنا ومنعونا من التحرك حتى هدموها بالكامل"، يقول نصر الله.

ومنذ قرابة الشهر كثفت قوات الاحتلال اعتداءاتها على أهالي القرية بشكل غير مسبوق، "للمرة الثانية خلال أسبوعين هدموا منازل عائلتي، ما يفعلوه بنا يفوق قدرتنا المادية، لا أستطيع تحمل كل هذه التكاليف، فها نحن نرتجف من البرد على أطلال بيوتنا دون مأوى".

ويدرك نصر الله أن ما يريده الاحتلال من أهل القرية الرحيل والرحيل فقط، "لكننا لا نعرف لنا مأوىً ووطناً غير هذا المكان، ولن نرحل مهما فعلوا وأجرموا".

فأهالي القرية الواقعة شمال مدينة طوباس هاجر أغلبهم من مدينة حيفا المحتلة إليها بعد نكبة عام 1948م لا يرغبون أبداً بتكرار سيناريو النكبة، ورغم أنهم يعيشون حياة بدائية بكل المقاييس لحرمان الاحتلال لهم من الخدمات، حيث تصنف ضمن المناطق (ج)، فإن ذلك لم يكن بنظرهم أبداً داعيًا للرحيل من المنطقة وتركها للاحتلال.

لا هدوء

"فالاحتلال لا يتركنا نعيش بهدوء يوماً واحداً، فقد حول القرية لمنطقة تدريبات عسكرية، حتى إن الرصاص والقذائف يسقط قرب بيوتنا، ولا يكتفي بذلك بل يقوم بهدم البيوت بين حينٍ وآخر"، يقول المواطن من القرية هايل تركمان.

ويبين أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن الاحتلال يصادر آليات السكان ويفرض عليهم غرامات باهظة جداً؛ ما جعل أغلبهم غير قادرين على استرداد ممتلكاتهم، "الشهر الأخير شهد تصاعداً ملحوظاً في عمليات الهدم، فقد هدموا البيوت في الثامن والعشرين من ديسمبر، وأعادوا الكَرَّة في الثالث من يناير".

ووفق تركمان، بيوت أهل القرية ما هي إلا خيام تجاورها حظائر لمواشيهم التي يتركونها ترعى في المنطقة، لكن الاحتلال بات يلجأ مؤخراً لتدمير المزروعات بين الفينة والأخرى، "كل ما يفعلونه يهدف لإجبارنا على ترك المنطقة رغم أنّه لا يوجد أي مستوطنات قريبة منا، كل ما يريدونه الاستيلاء على الأرض وإخلائها من السكان".

ويمضي تركمان إلى القول: "في القرن الواحد والعشرين، نعيش دون كهرباء سوى من خلايا شمسية قدمها لنا متبرعون العام الفائت، في حين نشتري المياه بأسعار باهظة لنشرب نحن ومواشينا (سعر الكوب سبعة شواقل ونصف)، ونضطر لقطع مسافات طويلة عبر "التراكتورات" لملء تنكات الماء، فالاحتلال يحرمنا كل الخدمات رغم وقوعنا تحت سيطرته".

ويطهو أهل القرية طعامهم على نار يوقدونها من الأخشاب التي يجمعونها في أفران الطابون، التي يستهدفها الاحتلال مراراً بالتخريب.

مدرسة التحدي

وحتى التعليم لأطفال القرية فهو معاناة شديدة، حيث يقطع الطلاب مسافة 18 كيلومتراً للوصول إلى مدارس قريتيْ "رابا" وعقربا" المجاورتيْن، كانوا يقطعونها سابقاً سيراً على الأقدام، أما الآن فقد خصصت وزارة التربية والتعليم سيارة لنقلهم إلى المدارس، في حين أنشأت الوزارة في 2019م مدرسة للطلاب حتى الصف الرابع، عُرِفت باسم "مدرسة التحدي"، إلا أنها لم تسلم من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه.

وتواجه القرية الواقعة في الأغوار الشمالية، مخططات الاحتلال الهادفة لتهجير ساكنيها، والتضييق على حياتهم وملاحقتهم، إلى جانب التدريبات العسكرية المتواصلة لقوات الاحتلال بين خيمها التي تهدد حياتهم، في حين يَحرِم سكانها كل مقومات الحياة الأساسية والبسيطة، ويسرق كل ممتلكاتهم الحيوية.