كانت الصحفية شذى حماد تمارس مهنتها في نقل الفعاليات الاحتجاجية الرافضة لاغتيال الناشط السياسي نزار بنات في يوليو/ تموز الماضي، فأمسكت هاتفها المحمول وبدأت كاميرتها بتسجيل التظاهرة التي انطلقت من دوار المنارة بمدينة رام الله ثم اتجهت لمقر المقاطعة.
ضرب وتكسير وسحل وأحداث متسارعة وأجهزة تشويش منعت الصحفيين من نقل الصورة، هكذا بدأ المشهد "الدموي" قبل أن يطلق عنصر أمن قنبلة غاز على وجهها، "وكأن الدنيا تلف بها، وتختنق كمن يلتف حبل حول عنقه"، وهذا واحد من عشرات الاعتداءات التي ارتكبها عناصر أمن السلطة بحق الصحفيين بالضفة الغربية.
هذه الحادثة وغيرها، وثقتها لجنة دعم الصحفيين لانتهاكات أجهزة السلطة خلال 2021، وأظهرت فجوةً كبيرة في مساحة الحرية الممنوحة للعمل الإعلامي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
وسجلت اللجنة نحو 210 انتهاكات منها 201 في الضفة الغربية.
"شذى" التي طالما وثقت مشاهد من قيام قوات الاحتلال بإطلاق ذات القنابل على المتظاهرين وتلتقط صورًا لحمل الشباب للمصابين نحو سيارات الإسعاف، وجدت نفسها في قلب سيارة الإسعاف هي ومصابون آخرين بالاختناق تعيش الدور ذاته، إثر قنبلة صوتية ارتطمت بوجهها.
وقالت: "كان التركيز على الصحفيين بشكل قاسٍ، لدورنا في تغطية الانتهاكات بحق المواطنين، فأصبت بوجهي وهناك زميلات تعرضن للضرب ومصادرة الهواتف، إضافة لعمليات تهديد للصحفيات واستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي".
وصلت الأمور لحد مجاهرة عنصر الأمن باعتدائه عليها وكشف هويته لعائلتها يتباهى باعتدائه بلا "حسيب أو رقيب"، لكن عائلتها التي لم تجد جهة تذهب إليها لتشكو عناصر الأمن كون المعتدي هو "الخصم والحكم" في ظل ضعف القضاء الفلسطيني بالضفة، آثرت الصمت وطي الملف.
لكن أيضًا لم يتركها أمن السلطة بعد ذلك وتمت ملاحقتها "للأسف؛ تعرضت للاستهزاء والتنمر على المقاطع المصورة التي نشرتها حول الاعتداء، وهناك زميلات تعرضن للابتزاز".
التضييق على حرية الصحافة والإعلام في الضفة، والكلام لشذى، ليس جديدًا بل تدرج على عدة مراحل فقامت أجهزة السلطة باستدعاء الصحفيين وملاحقتهم وصولا لفرض قانون الجرائم الإلكترونية وحجب العشرات من المواقع الإعلامية.
مهمة انتهت في السجن
كان الصحفي عقيل عواودة متوجها لتغطية اعتصام نظمته عائلة المعتقل أبي العابودي أمام مركز شرطة "البالوع" برام الله، وبعد وصوله المركز عرف على نفسه وأظهر بطاقته الصحفية.
ولكن بعد دقائق قليلة بدأ قمع المحتجين بطريقة لم يشاهدها في حياته طوال عمله الصحفي شاهد سحل النساء والأطفال والشيوخ ولم يبق أحد إلا واعتُدي عليه.
"كان لي نصيب من الاعتداء حيث تم ضربي على صدري بالهراوات والدروع الزجاجية وسحلي بالشارع إلا أن أدخلت إلى المخفر وهناك جرى الاعتداء على جميع الموقوفين منهم أسرى ومحامون، وبعد ذلك نقلت للعناية في مجمع فلسطين الطبي وتبين إصابتي برضوض حادة في صدري غبت في إثر ذلك عن عملي لمدة شهر" يستذكر عقيل في حديثه لصحيفة "فلسطين" تلك الحادثة الجاثمة على ذاكرته.
وقال: "الألم الجسدي لا يذكر أمام الألم النفسي والضرر الذي نال من صورة كنا نحسبها جميله لوطن نحبه ونموت من أجله بعد أن خرجت من المشفى لم أتمكن من العمل طوال شهر كامل بسبب الإصابة البالغة التي تعرضت له".
بعد تلك الحادثة خلص عقيلة لحقيقة الأوضاع في الضفة "المضايقة يمكن أن تأتيك مباشرة من خلال الهراوات أو السحل في الشوارع أو من خلال العسس والذباب الإلكتروني بالتهديد والوعيد والمضايقة أو من خلال الدائرة المقربة من أهل وأصدقاء بالضغط على الشخص لعدم الحديث فالحريات معدومة وبالمطلق".
تغول أمن السلطة
وبحسب رئيس لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين الصحفي صالح المصري، هناك تغول لأجهزة السلطة وارتفاع في الانتهاكات بحق الصحفيين بالضفة الغربية يتم الزج بهم في سجون السلطة وعرضهم على المحاكمات وهذا "أمر مؤسف ويجب أن تتوقف ملاحقة الصحفيين بالضفة".
وقال المصري لصحيفة "فلسطين" إن تقرير لجنة دعم الصحفيين حول حالة الحريات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أظهر وجود هامش حرية مرتفع للصحفيين والمؤسسات الإعلامية في غزة "وهذا ظهر واضحا من خلال تدني نسبة الاعتداءات التي تكاد تكون صفرية على مدار العام الماضي".
وعزا ذلك إلى الدرجة الأولى لهامش الحريات الذي منحته الجهات الحكومية بغزة وأجهزتها الأمنية للمؤسسات الإعلامية.
ولفت المصري إلى وجود حالة من الوعي بين عناصر الأجهزة الأمنية في غزة حول أهمية الصحفيين والتعاون الكبير بين الأطر والأجهزة المعنية في القطاع سواء من جهة وزارة الداخلية أو المكتب الإعلامي الحكومي.
وشدد على أن حالة الحريات في غزة، يجب أن تنعكس على واقع الضفة الغربية لإتاحة هامش حرية عمل للصحفيين.