كسرت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بتكتيكاتها العسكرية المعادلة مع الاحتلال الإسرائيلي قبل 16 عامًا، عندما أجبرته على الاندحار من القطاع، بعد أن كان يساوي مستوطنة (نتساريم) بـ(تل أبيب).
واندحر الاحتلال عن قطاع غزة -وفقًا لما يرى خبيران- بفعل ضربات المقاومة وقوتها، وفشل الاحتلال في توفير الأمن والحماية لمستوطنيه، بفضل سلاح الاستشهاديين، واستهداف المستوطنات بصواريخ المقاومة، وسلاح حفر الأنفاق وتفجيرها.
وفي الـ12 من أيلول (سبتمبر) عام 2005م اندحر الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة، حيث دفعّت المقاومة الاحتلال ثمنًا باهظًا، وأرغمته على الهروب تحت وطأة صواريخها وعملياتها الاستشهادية.
مسارات المقاومة
وقال الخبير في شؤون الأمن القومي إبراهيم حبيب: "منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر عام 2000، زادت كلفة بقاء الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".
وأضاف حبيب لصحيفة "فلسطين": "تصاعدت المقاومة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وصولًا إلى عام 2004 الذي شهد ذروة المقاومة، إذ تمكنت من استهداف مستوطنات القطاع، والوصول إليها وتنفيذ عمليات استشهادية بها أدت إلى مقتل عدد من جنود الاحتلال ومستوطنيه".
وتابع: "أمام ضربات المقاومة حاول الاحتلال جاهدًا زيادة عدد التحصينات الأمنية، ورفع عدد الجنود، لحماية المستوطنين البالغ عددهم نحو 4 آلاف مستوطن في القطاع، لكن مع فشل تحقيق الأمن، وتنفيذ المقاومة عمليات نوعية أدت إلى مقتل جنود إسرائيليين ومستوطنين؛ اضطر إلى الهروب والاعتراف بعدم قدرته على ردع المقاومة".
وبين حبيب أن المقاومة في القطاع عملت على ثلاثة مسارات لدفع الاحتلال إلى الهروب من القطاع، أولها تنفيذ عمليات تسلل للمستوطنات واستهداف المستوطنين وجنود الاحتلال، "ومن أشهر تلك العمليات عملية الشهيد محمد فرحات، التي تسلل فيها إلى مستوطنة "عتصمونا" -وكانت إحدى مستوطنات تجمع "جوش قطيف" جنوبي القطاع- وأدت إلى مقتل تسعة جنود إسرائيليين، وجرح نحو عشرين آخرين، بحسب اعترف جيش الاحتلال".
ولفت إلى أن المسار الثاني الذي عملت عليه المقاومة هو استهداف تلك المستوطنات بقذائف الهاون، في حين اعتمدت المقاومة في مسارها الثالث على حفر الأنفاق تحت الطرق والمفارق التي يسلكها الاحتلال وتفجيرها، ما أدى إلى مقتل عدد من الجنود والمستوطنين، فأربك ذلك حساباته، مؤكدًا أن خسائر الاحتلال، واستمرار ضربات المقاومة الموجعة جعلاه يغادر القطاع دون تردد.
ومضى حبيب يقول: "إن مراكمة القوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية طوال السنوات الماضية، وتطوير قدراتها كمًّا ونوعًا، والمفاجآت التي تعلنها في كل مواجهة؛ تجعلنا نقترب من تحرير الأرض الفلسطينية".
تطور المقاومة
في حين رأى الخبير الأمني محمد أبو هربيد أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة جاء لتوفير الأمن للمستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، بعد الهجمات الشرسة التي وجهتها لهم المقاومة الفلسطينية.
وقال أبو هربيد لصحيفة "فلسطين": "إن إخلاء الاحتلال مستوطنات القطاع، التي عدّها في وقت سابق كـ(تل أبيب)؛ لم يكن طوعيًّا بل كان اضطراريًّا وإجباريًّا بفعل ضربات المقاومة".
وأضاف: "إن المقاومة أجبرت الاحتلال على دفع أثمان باهظة من جنوده ومستوطنيه، وعلى التخلي عن رؤيته في البقاء بالقطاع".
وأشار أبو هربيد إلى أن تنفيذ المقاومة عمليات برية، وإطلاقها القذائف الصاروخية على مستوطنات القطاع، دفعا الاحتلال للإسراع في الانسحاب.
ورأى أنه على الرغم من فرض جيش الاحتلال سيطرته على البر والبحر والتحكم في معابر القطاع، ومحاولاته للنيل من المقاومة وجمع المعلومات عنها؛ لم ينجح في لجمها أو القضاء عليها.
وأوضح أبو هربيد أن الهدف من وجود الاحتلال في القطاع كان ألا تصبح غزة مسلحة، وألا تصبح قوة عسكرية تهدده في الجنوب، مضيفًا: "لكن فشل الاحتلال، وتطورت ونمت المقاومة حتى باتت تهدده".
وقال: "إن المعادلة التي صنعتها المقاومة طوال الأعوام الماضية -خاصة ما شهدناه خلال الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع- وفرضها معادلات جديدة على الاحتلال؛ جعلانا نقترب من طريق تحرير الأراضي الفلسطينية".
ولفت الخبير الأمني إلى أن الاندحار عن غزة مكن المقاومة من العمل بحرية وتطوير قدراتها، وإعداد تكتيكات جديدة في المواجهة والصمود والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وأصبح لدى المقاومة منهج لصناعة معادلات متطورة مبنية على إستراتيجية مراكمة القوة وصناعة الأسلحة واستخدامها جيدًا في إدارة المعركة، وصناعة حالة لتعزيز صمود المقاومة وتبني أفكارها، وهذا ما كان يخشاه الاحتلال.