فلسطين أون لاين

السلطة ودعم القدس.. دور "فلكلوري" لا يرقى لحجم الجرائم بحقها

...
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

لا يتعدى دور السلطة الفلسطينية في دعم صمود المقدسيين تخصيص 1% من ميزانيتها لأجلهم، إذ تصرف نحو 100 مليون شيقل سنوياً، في حين تخصص بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس نحو 7 مليارات شيقل سنوياً لمشاريعها التهويدية في المدينة المحتلة.

وتظهر هذه المعطيات حجم الدور الذي تلعبه السلطة في المدينة المقدسة، بعد أن حجبت نفسها بيدها عن دعم المقدسيين بالقبول خلال اتفاق "أوسلو" بترحيل "ملف القدس" إلى مفاوضات الحل النهائي وعدم ممارسة أي دور بالمدينة، والتزامها بذلك وترك الساحة فارغة للاحتلال ليفعل ما يشاء حتى بات يسيطر على المدينة.

ليس هذا فحسب، فتتهم أوساط فلسطينية السلطة بسحب أموال من صندوقي الأقصى والقدس الذي دُشِّن عام 2000، حيث تلقت منه موازنة السلطة أكثر من 1400 مليون دولار، كان نصيب القدس من هذا المبلغ الذي جمع وخصص لأجلها لا يتجاوز 5%، في حين خصصت باقي المبالغ لتغطية الموازنات التشغيلية للرئاسة الفلسطينية، ومجلس الوزراء، ووزارة الخارجية، وقطاعي التعليم والصحة في الضفة الغربية المحتلة.

الباحث في شؤون القدس زياد الحسن، يقول: إن الفترة الوحيدة التي اهتمت فيها السلطة بشكل واضح بالقدس كانت في عهد فيصل الحسيني كمسؤول ملف القدس ومكانته وسلطته وقدرته على جلب الدعم، وكذلك علاقته بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

وأضاف الحسن لصحيفة "فلسطين" أن رام الله تحولت إلى عاصمة جديدة للسلطة على الأرض، بعد نقل معظم النقابات والهيئات والمؤسسات من القدس إليها، فباتت القدس في عهد السلطة هامشية بجميع المجالات والبرامج.

واعتبر ذلك انعكاسا طبيعيا لموضوع تأجيل قضية القدس إلى مفاوضات الحل النهائي، وقبول السلطة بعدم القيام بأي عمل يستبق المفاوضات، ومن ثم جعل المدينة المحتلة تحت رحمة الاحتلال، لافتاً إلى أن أي مسؤول من السلطة يشارك في أي فعالية في القدس كفيل بإغلاق الاحتلال للمؤسسة التي يشارك عبرها، "وعليه بات دور السلطة أقرب للفلكلور أو الديكور".

متذبذب ومتفاوت

وعن دعم السلطة للقدس، فأوضح الحسن أنه متذبذب ومتفاوت، ففي هبة "باب الرحمة" لم يكن هناك اهتمامٌ منها، بعكس هبة "باب الأسباط" حيث هددت وقتها بأنها ستغلق مساجد رام الله وتسمح للناس بالتوجه للمسجد الأقصى، وهذا التذبذب يتعلق بمدى شعور السلطة بتهميشها وحضورها، وليس بمدى التهديد المتعلق بالقدس.

وبحسب الباحث ذاته، فإن الدعم الاقتصادي من السلطة للقدس محدود لأن اتفاق أوسلو يمنع غير ذلك، مبيناً أن المانحين كلفوا البنك الدولي في بداية العمل على تأسيس السلطة من خلال المنحة الأجنبية بدراسة كيفية إنفاق المنح، فقدم البنك دراسة طويلة عام 1994، البند الأول فيها يتحدث عن القدس، وأن المساعدات لم تكن معنية بالمدينة بعدما جرى الاتفاق على عدم استباق الحل النهائي.

وأفاد بأن الاتحاد الأوروبي وأمريكا كانوا معنيين بمنع السلطة من إنفاق أي أموال بالقدس، ما انعكس ميدانياً بوجود هيئات كثيرة في المدينة، وبقيت الميزانيات محدودة تصرف على الإداريات والمكاتب.

واستدل بتصريح لوزير شؤون القدس السابق حاتم عبد القادر الذي تولى الوزارة ما بين عامي 2009 و2010، بأن الميزانية التي خصصتها السلطة للقدس 20 مليون دولار على مدى عام، في وقت كانت ميزانية السلطة حينها تبلغ 2 مليار و500 مليون دولار، أي نتحدث عن 1% فقط للمدينة المحتلة.

وأمام هذا الواقع، وفق الحسن، حجبت السلطة عن القدس الدعم المالي، وباتت المؤسسات الأهلية في المدينة تلجأ للحصول على مساعدات مشروطة من بلدية الاحتلال -رغم أنها مرفوضة كفعل مدان– لكن هناك مسؤولية على السلطة التي تركت فراغاً لحدوث ذلك.

وأضاف أن وحدة الاستراتيجيات في السلطة عام 2004، تعاملت مع القدس كشأن أصبح خارج التفاوض ولا يوجد داعٍ للصرف عليه، وأصبح قطاع التعليم متهاوياً ومحدوداً، ومعظم المبادرات فيها أهلية، فضلاً عن تكليف محامٍ واحد لمتابعة مئات القضايا بشأن هدم البيوت والإنذارات والملكيات.

ولفت الحسن إلى أن مؤسسات مقدسية كمستشفى المقاصد باتت مهددة بالانهيار بسبب عدم دفع السلطة للالتزامات المتراكمة عليها، كما وأنها لم تقم بدورها في وضع حد لتسريبات عقارات القدس، مشيراً إلى أن السلطة سلمت بأنها ليست معنية بتمثيل القدس وتركت هذا الدور للأردن لكونها دولة مستقلة، كأسلم الخيارات، وحتى الحد الأدنى بالمقاومة الشعبية التي تقول السلطة إنها مستعدة له غير حاضر، ويجري ضربه على يد أجهزتها الأمنية كما حدث في هبة "باب الرحمة" وقمع مسيرات شعبية خرجت للتنديد بنقل السفارة الأمريكية للقدس.

فتات لا يدعم المقدسيين

أما الكاتب والمحلل السياسي من القدس راسم عبيدات، يبين أن دور السلطة في القدس محدود، إذ لا يزيد حجم ما تصرفه سنوياً على 100 مليون شيقل، في المقابل تصرف بلدية الاحتلال 7 مليارات و300 مليون شيقل سنوياً في القدس، إضافة لنحو 100 مليون دولار تصرف مما يسمى بلجنة التشريع الوزارية الإسرائيلية.

وقال عبيدات لصحيفة "فلسطين": إن ما يقدم للقدس هو فتات لا يسمح بتعزيز صمود المقدسيين، في وقت يحاول الاحتلال أسرلة التعليم وربطه بالمنهاج الإسرائيلي من المراحل الابتدائية حتى الثانوية.

وأشار إلى أن الاحتلال خصص ملياري شيقل ضمن خطة اندماج الاقتصاد بالقدس، و875 مليون شيقل لأسرلة التعليم، ومنح حوافز لخريجي الجامعات من المعاهد الإسرائيلية من المقدسيين، في وقت لا يجد خريجو جامعة "القدس" أي وظيفة لكون الاحتلال لا يعترف بها.

ويسيطر الاحتلال، وفق عبيدات، على 48% من المؤسسات التعليمية بالقدس، في حين تسيطر السلطة على 12% منها.

وأضاف أن السلطة لم تسدد الديون المستحقة عليها والبالغة 150 مليون شيقل لمستشفيات المطلع والمقاصد والمستشفى الفرنساوي، مما يراكم عجز المؤسسات، عدا عن الدين الكبير لصالح شركة كهرباء القدس بقرابة 60 مليون شيقل، ما يعني أن السلطة تفاقم أزمة تلك المؤسسات.

وأوضح أن 300 محل تجاري أغلقت بسبب تراكم ضريبة "الأرمونا" على أصحابها، وعدم قيام السلطة بتقديم مساعدات تدعم صمود التجار، ما دفعهم لنقل حياتهم خارج القدس، ما أسهم في تفريغ المدينة المحتلة كما يريد الاحتلال.