في غرفة يعتقل فيها وحيدًا، ومعزولاً عن العالم الخارجي في سجون السلطة منذ عام كامل، ومعزولاً حتى عن المعتقلين السياسيين في السجن ذاته، فلا يكلم إلا نفسه، تتفاقم أوضاع المعتقل مصعب اشتية الصحية والنفسية لا تواسيه فيها سوى جدران غرفة العزل، وبعض مسكنات الآلام التي ظهرت بجسده في ظروف اعتقال غير "آدمية".
تعتقل السلطة اشتية بسجن الوقائي بمدينة بيتونيا برام الله منذ عام كامل، أمضى خمسة اشهر منها في سجن أريحا قبل انتقاله لبيتونيا في يناير الماضي، ولا يزال "الوقائي" يتجاهل تنفيذ قرارات المحاكم بإخلاء سبيله.
في قضية المعتقل اشتية ليست مدة الاعتقال التي بلغت عاما كاملا هي جوهر قضية، بل هناك "جريمة" قانونية ترتكبها أجهزة أمن السلطة برفض تنفيذ ثلاثة قرارات قضائية صدرت بالإفراج عنه، ضاربة بعرض الحائط تلك القرارات.
قرار الإفراج
بعد بزغ اسمه الذي اقترن بالشهيد إبراهيم النابلسي وغيرهم من أبطال "عرين الأسود" بمدينة نابلس، اعتقل اشتية في 19 أيلول/ سبتمبر 2022 على خلفية عمله المقاوم ضد الاحتلال، وبعد 16 يوميًا من اعتقاله صدر قرار بالإفراج عنه من محكمة الصلح بأريحا بالرابع من أكتوبر/ تشرين أول من ذات العام، فيما قدمت نيابة رام الله استئنافًا ضد القرار لكن محكمة الاستئناف ردت عليه، وأكدت على قرار الإفراج.
وكانت لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس، قد أعلنت بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر 2022 عن تسوية واتفاق تم مع محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، بموجبه يتم إنهاء ملف المعتقل اشتية، إلا أن ذلك لم يحدث تغيرًا على الأرض في قضيته ولم يتم الإفراج عنه.
اقرأ أيضاً: عامٌ على اختطاف أجهزة أمن السلطة المطارد "مصعب اشتية"
وبعد أربعة أشهر من اعتقاله أصدرت المحكمة الإدارية العليا برام الله في 13 فبراير/ شباط 2023 قرارا بالإفراج عن اشتية لعدم قانونية توقيفه على ذمة المحافظ أو أي جهة أخرى، المنحدر من قرية سالم قضاء نابلس، ويطارده الاحتلال الإسرائيلي منذ إبريل/ نيسان 2022 بشكل مباشر وعلني.
يحكم اليأس قبضته على قلب والده عاكف اشتية بعد عام أمضاه بالمطالبة والإفراج عن نجله ولا "حياة لمن تنادي" قائلاً: "رسالتنا بعد مرور عام على اعتقال نجلي "مصعب" أن يرجعوا للقانون وللقضاء ولكل الهيئات التي قررت الإفراج عن مصعب، وقامت السلطة بالضرب بها بعرض الحائط".
عدم تنفيذ ثلاثة قرارات إفراج من المحكمة الإدارية والعليا وكتاب من مجلس وزراء حكومة "اشتية"، يراه اشتية الأب لصحيفة "فلسطين" دلالة على أن "وقائي السلطة حكومة" بحد ذاتها، لا يعترف بأي قرارات.
إضافة لاعتقال مصعب لدى السلطة، أسر الاحتلال ثلاثة من أبنائه وهم خالد المعتقل منذ 15 شهرًا ومحكوما بالسجن لمدة عام ونصف العام، وكذلك نجله أنس الذي يطالب الاحتلال بحكمه خمسة عشر عاما أمضى منها ثلاثة أعوام، ونجله "صهيب" الذي أمضى ثمانية أشهر لدى الاحتلال قبل الإفراج عنه قبل مدة.
بعد اعتقال أبنائه يضطر اشتية للخروج من الساعة السادسة صباحًا، والعمل دون توقف حتى ساعات المساء، يتحدى عمره الذي طرق ستين سنة ويحتاج إلى الراحة، وجسده الذي لم يعد يقوى على هكذا "مشقة"، لأجل توفير دخل يصرف به على أبنائه داخل السجون، من مصاريف كنتينا واحتياجات ملابس وغيرها.
يمتزج صوته بالقهر "أزوره مرة كل أسبوع، ونقدم له الادوية ونطمئن على صحته. إنسان بين أرجع جدران بعزل انفرادي، يعيش في كبت لا يتحدث مع أحد ولا يرى البشر إلا العساكر وعائلته كل يوم سبت في موعد الزيارة الأسبوعية".
لا تزيد وقت الزيارة عن عشر دقائق، في مكان محاط بكاميرات المراقبة التي تسجل بالصوت والصورة كل ما يدور بداخل الغرفة، مشددًا أن مطلب نجله الوحيد هو الإفراج عنه وتنفيذ قرارات المحاكم لأنه ليس محكوما بأي تهم جنائية وليس عليه سوابق.
جريمة الامتناع
فيما قال محاميه مصطفى شتات، إن ما يجري مع موكله اشتية الذي حصل على قرارات محاكم بالإفراج عنه دون قيد أو شرط قبل عام، جريمة يعاقب عليها القانون بتهمة الامتناع عن تنفيذ قرارات قضائية تستوجب المساءلة والمحاسبة، لكل من له يد في الإبقاء على اعتقاله رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنه، وأن يعزل من يخالف القرار من وظيفته مع ضمان التعويض العاجل.
وشدد شتات في حديثه لصحيفة "فلسطين" على أن قرارات المحاكم واجبة التطبيق، ويمنع على أي جهة عدم تنفيذها، واستمرار اعتقاله وتجاهل تلك القرارات دلالة على وجود نظام غير ديمقراطي واستبدادي وسلطوي لا يحترم السلطات القضائية، مما يقود إلى نزاعات أهلية نتيجة اضعاف القضاء.
ووصف ظروف اعتقال اشتية بأنه "سيئة" من خلاله عزله عن العالم، ولا يتحدث إلا مع أهله مرة بالأسبوع أو محاميه، وهذه الحالة أصبحت أكثر سواء بعد عام من اعتقاله بدوي أي سبب أو مسوغ قانوني، وأن استمرار وجوده بقرار من بعض اللجان الأمنية والمخابرات الخارجية.
وأكد أن فريق الدفاع يدرس خيارات قانونية أخرى في الأيام القادمة لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم خاصة الفصائل الفلسطينية المقاومة، كونه غير متهم بأي قضية جنائية ويجب أن تفعل قضيته، من هذه الخيارات تقديم دعوى لنيابة رام الله ضد من يرفض تنفيذ قرارات الإفراج، واتهامه بعرقلة تنفيذ قرارات المحاكم، وقال "لا يوجد خيارات قضائية أمام من يرفض تنفيذ القرارات القضائية نفسه".