كانت المعلمة عبير قنيبي كعادتها تؤدي عملها في مدرستها من مدرسة وداد ناصر الدين في مدينة الخليل، وإذ باتصال دولي ظنت أنه من ابنتها المقيمة في الإمارات حتى بادرت المتصلة بالقول: "تتحدث معك سعاد السويدي نائب الأمين العام لجائزة خليفة التربوية نبارك لك تمثيلك دولة فلسطين وفوزك بجائزة المعلم المبدع".
لم تتمالك قنيبي نفسها ودمعت عيونها فرحًا، وتجمعت حولها معلمات المدرسة يحتفين بإنجازها الكبير، وحتى طالباتها احتفوا بها، كما احتفت بهم في كل مشروع تشرف عليه، ويحققن فوزًا بفضل تفانيها.
واستطاعت قنيبي الفوز بالجائزة بعدما تخطت معايير المفاضلة التسعة الأساسية، كالقيادة، والتعليم عن بُعد، والكفاءات التدريسية، والتواصل والشراكات المجتمعية، وتقييم التعلّم، والولاء والانتماء والمواطنة الإيجابية، والدراسات والبحوث، والتعلّم المستدام، والتنمية المهنية المستدامة.
سجل حافل
وتتمحور جائزة خليفة التربوية التي تأسست عام 2007 حول 10 مجالات عامة، شاركت قنيبي في مجال التعليم العام فئة المعلم المبدع على مستوى العالم العربي.
وتترك الجائزة في المتقدم إبداعًا في طريقة الوصف والتعبير عن المعايير الأساسية للفوز، عبّرت عنها المعلمة الفلسطينية في نموذج تجاوز 50 صفحة.
تقول قنيبي لـ"فلسطين": "كان هناك سؤال في الطلب الإلكتروني يتحدث عن الإنجازات والجوائز التي حصل عليها المتقدم فكان سجلي حافلًا بالجوائز المحلية والعالمية".
وقنيبي أم لثلاثة أولاد ومثلهم من البنات، لديها سجل حافل بالجوائز، ففي عام 2016، حصلت على جائزة أفضل معلم في فلسطين، ومن ضمن أفضل 50 معلمًا في العالم لدى مؤسسة "فاركي" البريطانية، وأيضًا على لقب المعلم العالمي الممنوحة من مؤسسة (AK) الهندية عام 2020، وحصدت المركز الرابع على العالم في مسابقة (intel-ISEF) التي عقدت في أمريكا، والجائزة الأولى في مسابقة إلهام فلسطين الفئة (A) ، والمركز الأول كأفضل نادٍ علمي.
وقنيبي معلمة رياضيات للمرحلتين الحادي عشر، والثاني عشر منذ عام 2001، وحاصلة على منحة زمالة مبادرة الشرق الأوسط في التعليم من كلية الدراسات العليا في جامعة هارفارد الأمريكية، وإحدى خريجات برنامج ماجستير الرياضيات في جامعة بوليتكنك فلسطين مع مرتبة الشّرف.
ومثلت الأعوام الثلاثة الأولى للمعلمة قنيبي مدة تجريبية لصوغ شخصيتها التربوية والمهنية، وقد تنقلت بين عدد من المدارس في الخليل، حتى رست منذ عام 2011 في مدرسة وداد ناصر الدين الثانوية.
وتلفت إلى أن وجودها في هذه المدرسة كان ملهمًا، وساهم في تميزها وإبداعها، وتقديم صورة رائعة عن المعلم الفلسطيني، توجتها بتطوير برنامج تدريبي اسمته "نموذج قنيبي 2022" الذي يعمل على مأسسة البحث العلمي في المدارس الفلسطينية، ويسد الفجوة بين التعليم المدرسي والجامعي.
مهارات وقيم واتجاهات
ولدى سؤالها عما ميّزها لتحصد الجائزة الأولى لفئة المعلم المبدع، تجيب قنيبي: "الرياضات لا ترتكز فقط على الكفايات التدريسية بل على المهارات، والقيم، والاتجاهات، وكثيرًا ما أُؤسس لدى طالباتي الاتجاهات الإيجابية نحو مادة الرياضيات، ولا أترك فرصة إلا وأعزز هذا الانتماء نحو مادة الرياضيات".
وتردف: "فضلًا عن المادة العلمية، أركّز على مشاركة الطلبة في المشاريع الدولية، فأنا سفيرة للحراك البيئي، وسفيرة للتعليم، ولدي أكثر من 20 بحثًا نُشرت في مجالات علمية عالمية محكمة، وهذا جزء من واجبي، فالصف الدراسي يقوده الطلبة وليس عبير، فأنا ميسّرة للتعليم أكثر من أني معلمة، وهم شركائي".
وشاركت قنيبي كمتحدثة وممثلة رسمية عن المعلم الفلسطيني في العديد من القمم الدولية والمنتديات التّربوية والمؤتمرات العلمية، فأصبحت سفيرة للتعليم 2017، وسفيرة لأهداف التنمية المستدامة 2019، وسفيرة فلسطين للحراك البيئي العالمي منذ 2019، ومنسقة لمشروع البرمجة الأوروبي وميسّرة لمشروع STEAM الدولي لعام 2022.
الطالب يستحق
وتؤكد أنها تسعى لابتكار بيئة صفية آمنة عادلة محفزة للطلبة، "فكل طالب يستحق تعليمًا جيدًا، وكل طالب هو فريد من نوعه، لذا استخدمت العديد من الإستراتيجيات الحديثة من أهمها إستراتيجية التعليم المتمايز الذي يمايز بين الطلبة حسب احتياجاتهم، فالإستراتيجية الواحدة لا تكفي الصف الواحد".
البعض يقول إن الرياضيات هي مادة جامدة، فكيف طوعتها لتصبح محببة للطالبات؟ تجيب المعلمة المبدعة مستدركة على السؤال: "لكنها مادة زاخرة بتكاملية المعرفة. وما بين المواد والتخصصات المختلفة طورت العديد من السياقات الحياتية لجعل هذه المادة محببة لدى الطلاب، فأنا شغوفة بالتعليم وأحب مادة الرياضيات، وأحب أن أنقل هذا الشغف إلى طلابي وزملائي".
وتختتم قنيبي بالتأكيد أن التعليم يستثمر في الإنسان، وأن واجبهم كمعلمين الإيمان أولًا بما يمتلكونه من قدرات "فلا شيء مستحيل. والإنجاز الذي حققته يعد جزءًا من الإشراقات موجودة على امتداد الوطن، والخبرات التي لديّ سأنقلها للميدان التربوي لتحقيق مزيد من الإنجازات والنجاحات".