ما إن تنهي رائدة عليوة جلسة غسيل الكلى لابنتها ورود (13 عامًا) في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي شمال غرب مدينة غزة، تسارع إلى بيتها للاطمئنان على ابنها وزوجها المصابيْن بالفشل الكلوي ويخضعان لجلسات الغسيل أيضًا.
لا تقتصر معاناة رائدة المتواصلة منذ سنوات طويلة على إصابة زوجها مدحت عليوة وابنها مصطفى فحسب، بل امتدت لتطال طفلها منير الذي توفي قبل 7 سنوات إثر فشل وظائف الكلى لديه، كما تقول لـصحيفة "فلسطين".
وتأتي هذه السيدة مرة واحدة على الأقل أسبوعيًّا من حي الشجاعية شرق غزة إلى مستشفى الرنتيسي الذي يضم قسمًا خاصًّا بغسيل الكلى لفئة الأطفال، وتجلس بجوار ورود 4 ساعات كاملة في الجلسة الواحدة وهي تداعبها وتُهوّن عليها.
لكنّ أكثر من يؤرّقها النقص الحاصل في الأدوية العلاجية وبعض المستهلكات الطبية، وخاصة ما يعرف بـ"خط الوريد المركزي (Perm Cath)"، وهو بمثابة الوسيط بين جسم المريض وجهاز الغسيل الكلوي.
وبينما تُرافق رائدة ابنتها إلى قسم الغسيل في مستشفى الرنتيسي منذ قرابة 3 سنوات، يُرافق زوجها ونجلها بعضهما لجلسات الغسيل في مجمع الشفاء الطبي.
وتحرص رائدة على قضاء غالبية أوقاتها مع ابنتها من أجل دعمها نفسيًّا، وتشجيعها على الحفاظ على تحصيلها العلمي بمعدل يفوق الـ80 بالمئة رغم حالتها الصحية وغيابها المتكرر عن المدرسة.
وأشارت إلى أنّ ابنها منير تُوفّي بعد أن أُصيب بتكيُّس وقصور في الكلى، ورافقهما أيضًا مشاكل صحية في الكبد والطحال ما أدى إلى وفاته بعمر 13 عامًا، بعد فشل محاولات علاجه.
أما وائل أبو زيادة من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، فهو يرافق ابنه منصور (15 عامًا) لغسيل الكلى في مستشفى الرنتيسي أيضًا.
اقرأ أيضًا: تقرير الاحتلال يتغوّل على مرضى الكلى ويمنع مضخات الغسل
وقال أبو زيادة لـ"فلسطين": إنّ الأطباء اكتشفوا وجود خلل في وظائف الكلى لدى منصور بعد ولادته، وعندما أصبح عمره 8 أعوام بدأ يخضع لجلسات الغسيل.
أزمة عجز
أما منصور فهو يغسل 3 مرات أسبوعيًّا، تمتد الجلسة الواحدة بين 4-5 ساعات، بحسب والده.
وبدّدت إصابة الطفل بالمرض أمل والديه بمستقبل واعدٍ له، لكنهما بقدر الإمكان يساعدانه لتعلُّم المنهاج ضمن جهود تبذلها جمعيات طبية خيرية تُقدّم خدمة التدريس المجاني للأطفال مرضى الكلى ممن ليس بإمكانهم الذهاب إلى المدارس.
ومنصور هو الوحيد المصاب بالفشل الكلوي من بين أشقائه وشقيقاته السبعة.
ويشكو والد الطفل نقص المستهلكات الطبية أيضًا وخاصة "خط الوريد المركزي"، وما يرافق ذلك من إجراءات تحويل إلى مستشفيات أخرى تستغرق وقتًا ليس هينًا على الأطفال مرضى الكلى.
ويأمل أبو زيادة بتحسين واقع مرضى الكلى المرير وخاصة فئة الأطفال وتوفير جميع الأدوية والمستهلكات الطبية باستمرار بما يضمن عدم لجوء الأهالي إلى البحث عن تحويلات علاجية.
من جهته، أفاد أخصائي الأطفال الطبيب بقسم غسيل الكلى في مستشفى الرنتيسي د. محمد الأنقر: أنّ المستشفى يخدم ما بين 35-40 حالة مصابة بالفشل الكلوي ويقدم خدماته لفئة الأطفال حتى عمر 15 عامًا.
وبيّن الأنقر لـ"فلسطين" أنّ المشكلة الأبرز التي يواجهها مرضى الكلى وذووهم وتُرهقهم، أنّ مستشفى الرنتيسي هو الوحيد الذي يُقدّم خدمة غسيل الكلى للأطفال في محافظات قطاع غزة.
ونبَّه إلى وجود نقص في الأدوية العلاجية ومنها الكالسيوم والفيتامينات والهرمونات التي يحتاجها مرضى الفشل الكلوي، محذرًا من أنّ نقصها يُسبّب تداعيات سلبية عليهم.
وأشار إلى أنّ أسباب الوصول إلى مرحلة الغسيل الكلوي تتفاوت بين مريض وآخر، وبعضهم مرتبط بعوامل وراثية، لافتًا إلى أزمة النقص الحاصلة في "خط الوريد المركزي"، ما يضطرُّ إلى اللجوء للتحويلات والتي تستغرق أحيانًا أسبوعًا أو أكثر، وهذا الأمر يفاقم معاناة الأطفال مرضى الكلى.
ويترتب على سنوات غسيل الكلى -بحسب الأنقر- أزمات نفسية يمر بها الأطفال، ما يجعلهم بحاجة إلى طريقة خاصة في المعاملة، والدعم النفسي المستمر، خصوصًا في العائلات التي لديها أكثر من مريض فشل كلوي.
أما عن عمليات زراعة الكلى للأطفال، أكد الأنقر نجاح العديد منها، لكنّ بعض أجساد المرضى لا تستجيب لهذا النوع من العلاج.
ويضم مستشفى الرنتيسي 14 جهازًا مخصصة لفئة الأطفال مرضى الكلى.