18 عامًا مضت على رحيله، وما زالت تتكشف حقائق جديدة عن المتورطين باغتيال الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، عبر تسريب وثائق تعرض لأول مرة، تحمل شهادات مسؤولين حاليين وسابقين في السلطة برام الله.
وتكشف تلك الوثائق عن شهادات قيادات في السلطة وحركة "فتح" ولجنة التحقيق بوفاة عرفات، التي شُكلت برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر عام 2010، وتكشف على وجه الخصوص علاقة "متوترة" بين عرفات ورئيس السلطة الحالي محمود عباس.
ومن بين الشهادات المُسربة ما صرّح به عضو مركزية فتح الراحل جمال محيسن، بقوله: "خلاف عميق بين عرفات وعباس، وحقيقة الخلاف مُخزية ومحرجة"، وأيضاً عضو اللجنة التنفيذية السابق حنان عشراوي أن "شخصيات فلسطينية رأت أن عرفات ليس مناسباً، وكنت مقتنعة أنهم سيغتالونه".
وكشف رئيس الوزراء السابق أحمد قريع عن أن "عباس كان يردد في الاجتماعات أن عرفات فقد الأهلية والذاكرة، ومقربون من "أبو عمار" كانوا يرغبون في التخلص منه لمآرب شخصية".
وتوفي عرفات في مشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، في ظروف غامضة، عن عمر ناهز 75 عاماً، في مستشفى "كلامار" العسكري بالعاصمة الفرنسية باريس، وسط اتهامات لـ(إسرائيل) بتسميمه.
جاءت وفاة عرفات في إثر تدهور سريع في حالته الصحية، بعد أن حاصره جيش الاحتلال الإسرائيلي عدة أشهر في مقر الرئاسة (المقاطعة) بمدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة.
مظلة سياسية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، أن ما جاء في التسريبات "نتيجة طبيعية للشريحة التي نمت داخل السلطة خلال السنوات الماضية، التي ارتبطت بالمصالح والحصول على الامتيازات".
وقال سويرجو لصحيفة "فلسطين": إن "هذه الشريحة التي نمت لم تستطع أن تتحمل بقاء "أبو عمار" ضمن سياساته التي كان يرفض فيها إعلان الاستسلام أمام الضغط الأمريكي والإسرائيلي، خاصة بعد ما تُسمى مباحثات كامب ديفيد".
وأوضح أن هذه الامتيازات، إضافة للعلاقات الجيدة مع الإقليم ودولة الاحتلال، فتحت شهية هؤلاء المتآمرين حتى لا يحدث صدام مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وعليه تُقوَّض تلك الامتيازات، لافتاً إلى أن اغتيال "عرفات" تم بقرار أمريكي ودعم إسرائيلي وشراكة فلسطينية.
وبحسب سويرجو، فإن هذه التسريبات "لن تغير من الواقع شيئاً"، لأن هذه الشخصيات لم تعد تكترث لها، فهي واثقة أن لديها حماية ومظلة سياسية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال.
وأضاف: "سيحاول الجميع التهرب من مسؤولياته أمام هذه القضية لأنه لا يوجد قضاء مستقل في السلطة قادر على محاكمة المتهمين، لأن رأس الهرم الفلسطيني يسيطر على القضاء والمحكمة الدستورية".
ورأى سويرجو، أن هذه التسريبات ستكون لها تبعات جماهيرية فقط، تتمثل في زيادة الغضب على السلطة وأدائها، خاصة أنها في السنوات الأخيرة تحولت لشبه وكيل أمني للاحتلال في التعامل مع أبناء الضفة.
انتقام من عباس
بدوره، يرى الناشط السياسي ياسين عز الدين، أن التسريبات لم تأتِ بأي جديد من ناحية جوهرية، فتآمر محمود عباس مع الاحتلال والأمريكان كان معروفًا وواضحًا منذ أيام حصار عرفات.
وقال عز الدين لصحيفة "فلسطين": إن "الجديد في التسريبات أنها وثقت هذا التآمر على لسان قيادات فتح والسلطة"، مشيراً إلى أنه حسب الاعتقاد السائد فإن توفيق الطيراوي سرّب الوثائق انتقامًا من عباس الذي عزله وجرده من صلاحياته.
وأضاف: "سواء كان الطيراوي فعلًا أو جهة أخرى فالهدف واضح، وهو تشويه صورة عباس، المشوهة أصلًا بسبب أفعاله وتصرفاته الكارثية".
وعد أن نشر هذه الوثائق في هذا التوقيت يزيد الإشكالات التي يغرق بها عباس والسلطة عمومًا ويعقد عليهم مهمة إعادة سيطرتهم على الضفة.
وتوّقع أن يكون تأثير التسريبات "محدوداً"، إذ إنه سيدعم فقط المزاج العام الفلسطيني الكاره والناقم على السلطة، عازياً السبب إلى أن أخطاء عباس وخطاياه كبيرة ومتراكمة، وهذا مجرد ملف آخر يضاف إلى جبل أخطائه.
وعن إمكانية إقدام السلطة على طرد مُسربي الوثائق والمتورطين، استبعد ياسين ذلك، مُستدلاً بقوله: "الطرد يعني تأكيد صحة التسريبات، وهم معنيون بنفي صحتها، والسبب الآخر أن التسريب على الأرجح لم يكن من داخل الحلقة المحيطة بعباس فقط، وإنما من خصوم طُردوا سابقًا من مؤسسات السلطة مثل توفيق الطيراوي".
مرحلة الوراثة
أما الناشط السياسي فخري جرادات، فرأى أن نشر التسريبات في الوقت الراهن، يتزامن مع الصراع الدائر بين قيادات اللجنة المركزية لـ"فتح"، ضمن ما تُسمى مرحلة التحضير "لوراثة السلطة" بعد وفاة عباس.
وعدّ جرادات لصحيفة "فلسطين"، أن هناك شبهة في موعد تسريب الوثائق، إذ إنها جاءت بالتزامن مع إزاحة اللواء توفيق الطيراوي رئيس لجنة التحقيق منذ 14 عاماً، من اللجنة المركزية لحركة فتح، معتبراً أن نشر التسريبات يُراد منه "أهداف خبيثة".
ولم يستبعد أن يتكرر السيناريو الذي حصل مع عرفات مع عباس، قائلاً: "من تساوق مع قوى أجنبية واحتلال للخلاص من عرفات، قد يتساوق مع أجندات خارجية للخلاص من عباس".
وأضاف أن "هذا نهج السلطة والمتنفذين فيها، فهم لا يؤمنون بطريقة منطقية بأحقية التغيير أو تداول السلطات والمراكز"، لافتاً إلى أن التداول يكون بالمؤامرات والاستقواء بقوى إقليمية وأجنبية.
وتابع أن "المتنفذين في السلطة استخدموا موت عرفات ورقة في هذه اللعبة، لكونه يتمتع برمزية كبيرة في قلوب الكثيرين حتى اللحظة".
واستبعد أن تترتب على كشف التسريبات أي محاسبة قانونية للمتورطين، لأن الصراعات داخل أروقة السلطة "شخصية" من أجل الحصول على المناصب والامتيازات.