فلسطين أون لاين

تقرير في محطات حياتية فارقة لأبنائهم.. صور مؤجلة لأسرى المؤبدات

...
غزة–رام الله/ هدى الدلو:

في محطات صناعة الفرح تخرج الكلمات منهم بثقل، تسيطر عليهم دموع الفرح، وفي القلب انكسار وغصة غياب من نذروا حياتهم لأجلهم، فيصرون على حضورهم ولو بصورة يملأ طيف روحها المكان فيصنع فرقًا، كما فعلت رند الريماوي في يوم مناقشة مشروع تخرجها، وكما فعل من قبلها العديد من أبناء أسرى المؤبدات الذين كبر أبناؤهم وراء جدران الشوق. 

تقول رند ابنة الأسير عبد الكريم المحكوم بالسجن 25 عامًا: "في جميع المراحل العمرية التي عشتها مررت بمشاعر الفقد والحرمان التي تنغص عليّ فرحتي".

حاولت رند (22 عامًا) التي تتساوى سنوات عمرها مع سنوات اعتقال والدها، أن تستعير وجود والدها في كل لحظة من حياتها، وفي يوم مناقشة مشروع تخرجها احتضنت صورته أمام مبنى الجامعة، حيث كانت ترسم آمالًا وأحلامًا بمرافقته في هذا اليوم.

تقول الريماوي: "هكذا هي البدايات والنهايات تكون صعبة، فلم أستطع أن أتملك نفسي في أثناء قراءة الإهداء، أدرك أنه يسمعني بطريقة أو بأخرى، يراني ابنته التي أخذت من يده قبل ٢١ عامًا على حاجز عسكري، أربعة أيام على بداية عام آخر في السجن، بداية لم تلتقِ الأيادي فيها، ولم تعرف حجم العناق الأبدي، فبقيت الأحلام ترسم لتشكل صورة اللقاء الأول، وإلى اليوم".

"فحتى هذا اليوم أعيش أحلاما مؤجلة، وحضورا مؤجلا، وفرحا مؤجلا، وصورا مؤجلة، أحمل معي رسائلنا، وأحاديث الليالي، وصبر الأيام، وزيارات السجون، وأعينا صادقة، فيا حلم الأيام أهدي لك هذا كله، يا وجه الحقيقة في زمن الخيبات.. إليك يا والدي"، بهذه الكلمات بدأت رند إهداء مشروع تخرجها لوالدها.

وتوضح الريماوي أنه رغم الوجع الذي تعيشه بفقد والدها فإن ابن الأسير يتحدى الواقع والظروف لخلق إبداع من وراء تلك المعاناة.

وتحاول رند مناقشة كل تفاصيل حياتها مع والدها في أثناء زياراتها له، وقد أخبرها أنه لم يبكِ سوى مرتين خلال فترة اعتقاله يوم وفاة والده وعدم قدرته على وداعه، ويوم مناقشة ابنته مشروع التخرج تمنى لو كان بجانبها.

توصل رسالة للاحتلال: "اعلموا أنكم لم تهزوا عزيمتنا، ولم تحدثوا سكونًا في قلوبنا، فكل جهد نقوم به يدعم وجودنا وهويتنا، وخاصة من أبناء الأسرى الساعين لخلق إبداع وتميز، وليظهروا بصورة أفضل ويمثلوا آباءهم في الأسر".

مشاعر مغيبة

في حين يقول عبادة طحاينة (21 عامًا) ابن الأسير محمد من سكان بلدة السيلة الحارثية، غرب مدينة جنين، إنه بات يتقن ثقافة الانتظار.

ويتابع: "أن تكون فلسطينيًا يعني أن تبقى أفراحك ناقصة دون أن تكتمل بسبب الغياب الذي يكرسه الاحتلال بإجراءاته".

وأنهى عبادة مشواره الجامعي مفتقدًا والده الذي غيبته السجون منذ تسعة عشر عامًا.

ويضيف: "الاحتلال حرمني أي مشاعر تجاه والدي، فلم أعش مع والدي أي لحظات يمكن أن أستذكرها، حتى باتت المشاعر مبهمة وغير مفهومة لا أستطيع تفسيرها لكوني لا أملك أي مواقف معه، فقد اعتقل ولم أتجاوز الثانية من عمري، أفتقده وبالتأكيد يفتقدني في هذه اللحظات، والاحتلال هو من فعل ذلك".

يتمنى طحاينة الذي حرمه الاحتلال أن يكون والده بجانبه في جميع مراحل حياته "ألا تنحصر أمنيتي بتحرر والدي، فهناك أُمنيات بالنسبة لي أكبر من ذلك، على رأسها الخلاص من الاحتلال، فهو سبب كل شيء، وتخليص الأسرى، لأن والدي ليس وحده المعتقل لدى الاحتلال، وفور تحقق هذه الأمنيات لن أحتاج لمثل هذه الأمنية، أنا وبقية الشعب الفلسطيني".

تنتظره بحلم جديد

أما صفاء البرغوثي ابنة الأسير عبد الله فتضع يدها على قلبها خوفا من أن يأتي يوم تخرجها في الجامعة ولا يجاورها والدها في كل صورة يتم التقاطها بروب التخرج من كلية الطب.

تقول: "تكفي لحظات الفقد التي عشتها طيلة أيام حياتي، تمنيت لو كان بجانبي، يعيش معي فرح تفوقي في الثانوية العامة".

وأصدرت المحكمة الإسرائيلية بحقه حكمًا بالسجن 67 مؤبدا، و5200 عام، ولا تلتفت صفاء لتلك الأرقام، "فقدرة الله أكبر، لأعيش معه لحظات ممتلئة بالفرح، بدلًا من الغصة التي تملأ قلوبنا في أوقات المناسبات بسبب غيابه".

وتشير البرغوثي إلى أنها اختارت دراسة تخصص الطب وفاءً لوالدها، ففي إحدى الزيارات سألها عن التخصص الجامعي الذي تنوي دراسته فأجابته الطب، وليهديها روبا أبيض مكتوبا عليه الدكتورة صفاء البرغوثي، وكانت حينها في الصف العاشر، وتأمل أن يعيش معها أجواء التخرج من الكلية، وتحقيق حلم جديد رسموه سويًا.